الأربعاء، 16 أغسطس 2017

الخلود

في الحب لا ندرك دوما ما نحن عليه و ما الذي يحدث لنا ..
كانها حالة مرض عضال لا يمكنك الخلاص منه الا بالموت ، لكنك حين تموت لن تدرك ما يشعره قلبك ..
كانت طفلة بالتاسعة عشر ربيع عمرها ازهر حباً سرمدياً ..
كانت نقية شفافة ، بهرته بصفائها ، و ادهشها صدقه و نفوذ رجولته ، لم تتوقع ان رجال الاحلام الطفولية متواجدون حقاً ، لم تعلم ان هناك حب يضيئ نوره اكثر من الشمس او له بياض يفوق بياض القمر ، كانها كانت كفيفة و ارتد نظرها في بريق حبه الممتد ..
كم كان حبه شاعرياً هادئاً صاخباً في آن ..
تلك الدهشة اثارت جميع حواسها لتمشي على اطراف قلبه باحثة عن مأواها ..
و هو الذي غرق في تفاصيل براءتها ، احبها بكامل عاطفته ، وجد فيها امه و ابيه ، اخته و صديقه ، ابنته و ما يستحق الحياة للاتي من عمره ..
كانا غارقين في سطوة العشق ، امتلاك امنية لم يكن بهذه السهولة يوماً فهما عاشا ما عاشا من الم الحياة ..
احبته لاعوام عديدة كانت تثق به ، رأت فيها الحياة التي تمنتها ، كانت وعوده كفيلة بان تضمن لها تحقيق احلامها او اوهامها ..
تعلقت به حتى آمنت ان الحياة دونه هباء و ان ما يمضي من عمر بجانبه يمثل واقعها ..
تشبعت حبه ، تخللها باكمله ، تفشى فيها و اثقلها به ، اضحت تعيشه بدلاً من ان تعيش لنفسها ، لم تهنأ بالحب فان زاد الشئ انقلب لضده ، هكذا كان حبها لا يمكننا تخيل الحياة دون ماء ، دون ارض او سماء ، دون قمر او شمس ، دون طعام او هواء ، دون رجل او امرأة ، و هكذا كان لها اهم ركائز الحياة ...
افرطت بالحب حتى جاء يوم لم يكن في خطة واقعها ، لقد اتاه خبر وفاته في الساعة الواحدة ظهراً كل ما قيل لها لقد مات و اسمك اخر ما نطقه ..
توقفت عن التنفس تلاشى الكون سقطت الارض من حولها و كأنها ضائعة في فضاء مظلم ، اختنقت به لم تستطع البكاء ، لتأتي امطار كلماته ضحكاته وعوده جميع تفاصيله التي ارتوت بها الذاكره تأتيها الان لتغرقها اي بكاء كان وسط ما غرقت به ، اصابها الشلل انهارت قواها لتستوعب فكرة واحدة ..
( انه رحل )
ذهب بلا عودة تركها ارملة حب لم يكتمل ، تركها يتيمة لتدرك حجم الفراق الذي يحدثه الفقدان الابدي ، تمنت له انه رحل بعيداً عنها و بقي قيد الحياة ، الا انه رحل بلا عودة لم يترك لها فرصة الامل برجوعه ، لتصدق ان شوقها لن يرحم و ان احلامها تلاشت و ان حياتها تسربت ، كل شئ يمكن تحمله الا تلك الخسارة الفادحة ...
ارتجفت جسدها كمرضى الصرع ، تباطأت دقات قلبها شيئاً فشيئاً ، للحظة صور لها عقلها انها تموت معه ، انها تموت حقاً ، ما ااذي يتبقى عندما تغادرنا الحياة باكملها ..
كيف لها ان تصدق ذلك امامها عمر من البكاء ، الحزن ، الحداد ، الموت ببطء ..
كم كان الامر قاسياً لماذا لم ينتهِ عمرها معه لتنام بجانبه ، من المؤلم ان تبكيه وحدها لا يشاركها حزنها سوى وسادتها ، لم تكن زوجته لتملك حق عزائه ، لم تكن خطيبة او قريبة او جارة او صديقة لتشارك تشييعه ، لم تملك الحق بان تكون رفيقة له حيث مثواه الاخير ..
لقد رحل و رحلت معه احلامها و اطفالها الذين يسكنون احلام طفولتها معه ، رحل و رحلت معه اسباب البقاء لا الكلام و لا الصمت يجيدان ترجمة معاناتها ..
لقد مات هو بجسده و ماتت هي بروحها و اضحت جثة يقال عنها بالوصف الجسماني قيد الحياة ..
و كان هذا اقسى عقاب ، انها الكارثة ما الذي فعلته لتستحق هكذا عقاب ، من الصعوبة علينا ان نستوعب موت الحياة فينا و لكننا مجبرين على البقاء رغم رحيلنا منا ، و الاصعب بحد ذاته استيعاب ما لا نقدر على تصديقه ..
كيف نستعيد رائحة من نحب من حيث يرقد جسده ، كيف نجمع اشلاء روحنا الهائمة به ، ماذا عن عيناه حين نغرق فيها ، ام قلب صمدنا بين جدرانه و استقرينا في اعماقه ، نحتاج ليده اين دفئها ، ماذا عن انفاسه التي تعتقنا ، كيف لنا نستوعب خلونا من حب نما فينا كاحد اعضائنا التي لا حياة لنا بدونها ..
ستثبت الحياة ان من يرحلون و هم يسكنوننا اكثر منا هم الباقون و ليس نحن من على قيد الحياة ..
اننا نخلد من نحبهم بالوفاء لما جمعنا بهم ..
هكذا هي لم تستطع ان تبكيه وحيدة بعيدة غائبة عن كل الكون  ، تسكن ذاكرتها المشبعة به لتستعيده من غيابه الابدي !!
بعض الحب يستحق الخلود ..
بعضهم اقوى من النسيان ، اقوى من الاحزان ، بعضهم هكذا لا يمكن إلا ان نموت متخمين بهم 💜

27/2/2016